سد النهضة بين مخاوف دول المصب وأمال التنمية في اثيوبيا





 
المقدمة :-
كثر الخلاف حول سد النهضة الاثيوبي ومازال الكثير من الاخوة العرب يعتبر السد مؤامرة صيهونية وبعدهم يراها من وجهة نظر عدائية ونفعية والكثير من المصريين يعتبرونه مهددا لأمنهم القومي والمائي وكل تلك المخاوف لها اعتبارتها وكل حسب وضعه وفكره , ولكن هل كل تلك المخاوف والتنيديدات والعداوة قامت على اساس صحيح وبناء على معلومات دقيقة ,كثير من الاخوة العرب لا يقرأ او تصله معلومات مغلوطة  وعنصرية من جهات لاتريد السلام والتنمية لأفريقيا وتتبنى مصالحها ورؤيتها فقط  والقائمة على اساس قومي او عرقي او ديني  دون رؤية مصالح الاخرين وقد كتبت سابقا عن سد النهضة وموقف الاثيوبين منه ولكن سوف اكتب اليوم من خلال ما جمعته من معلومات من الصحف والكتب والمواقع الالكترونية ورتبته بحيث يسهل على القارئ ان يفهم جيدا ومن خلال تصريحات الخبراء والمسؤلين سواء من اثيوبيا او مصر او السودان لتتضح الرؤية واثر السد على اثيوبيا والمنطقة وتفنيد المخاوف التي يشعر بها المصريين من بناء هذا السد .
وبالعودة الى التاريخ وجغرافية المنطقة, تعتبر اثيوبيا دولة حبيسة لاتملك ميناء بحري وتعتمد على الزراعة  البدائية و70% من سكانه يعمل فيها  وهي غنية بالموارد  التي تتطلب رؤس اموال ضخمة لاستغلالها سواء الطبيعية او المعدنية ولكنها من افقر دول العالم وحتى قاموس اكسفورد عند شرحه لمعنى المجاعة يسرد قصة المجاعة التي اجتاحات اثيوبيا خلال السبعينيات والثمانييات وكانت تلك الصورة تعتبر من اكثر الصور المؤثرة عالميا وارتبطت بذاكرة كل شخص عندما تذكر  امامه اثيوبيا يأتي في مقابلها "مجاعة "والتي تعبر عن وضع الشعب الاثيوبي والقوميات الاثيوبية ابان الانظمة الفاسدة التي حكمت اثيوبيا بالسابق .
اثيوبيا اليوم :-
اثيوبيا تسعى اليوم ومنذ سقوط الحكم الشيوعي (الدموي ) جاهدة لمحاربة الفقر بكل ما اتيح لها من فرص وكانت استراتيجية رئيس الوزراء الراحل (ملس زيناوي) وهو يعتبر مهندس الاقتصاد الاثيوبي ان يحارب الفقر من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعة المتاحة في اثيوبيا ووضع الخطط والسياسات التى تساعد في انتشال اثيوبيا من الفقر وفتح باب الاستثمار لأصحاب رؤوس الاموال سواء كانوا اثيوبيين او اجانب وتشجيعهم في الاستثمار من خلال عدة اجراءت  وقد تحقق الكثير من حلم القائد الراحل فكانت نسب النمو الكبيرة والغير متوقعة خصوص في دولة زراعية لا تعتمد على مصادر نفطية وهذا جعل اثيوبيا في مصاف الدول النامية الصاعدة وكل من زار اثيوبيا يلمس فرقا وتطورا ملحوظا في البنى التحتية والمؤسساتية وحتى في طريقة واسلوب العيش.
فمن دولة كانت تعتبر كارثة اقتصادية قادرة بالكاد على توفير الغذاء لشعبها تحولت وبسرعة هائلة إلى قوة اقليمية صاعدة قادرة على التمويل الذاتي لمشروعاتها الضخمة وتوزيع الأدوارها الدبلوماسية في دول حوض النيل وشرق أفريقيا.
تحتاج إثيوبيا لمعدل نمو مرتفع لإنجاز خططها  الاستراتيجية لانتشال سكانها من الفقر المدقع. وفي تقرير ذكره  البنك الدولي إن معدل نصيب الفرد من الدخل القومي بلغ 410 دولارات فقط في عام 2012 م في حين ان المعدل مرتفع في كل من مصر  وهي 3140 دولارللفرد والسودان 1550دولار وجيبوتي 1030 دولار وكينيا1160 دولار واغندا 550 دولار امريكي.
وتختلف الحكومة الاثيوبية مع الرأي القائل إن الانفاق بسخاء على المشروعات العامة يضر بالأداء الاقتصاد العام وهو ما حذرمنه البنك الدولي الا ان الحكومة الاثيوبية، تتوقع نموا أعلى من تقدير صندوق النقد الدولي ان هي سارت وفق خططها الاستراتيجية  الاقتصادية.
التعريف بسد النهضة .
سد النهضة أو سد الألفية الكبير بالأمهرية(هداسي جديب) هو سد إثيوبي قيد البناء يقع على النيل الأزرق بولاية بني شنقول-قوموز بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية غربا، على مسافة تتراوح بين 20 و 40 كيلومتر, و هو واحد من ثلاثة سدود تشيدها إثيوبيا بغرض توليد الطاقة الكهربائية  وعند اكتمال هذا السد المرتقب في عام 2017م، سوف يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء  وتقدر تكلفة إنجازه تقريبا بـ 5 مليار دولار أمريكي لغرض توليد الطاقة الكهرومائية للاستفادة منه محليا وتصديرالفائض منه الى الخارج.
وسوف يكون سد  النهضة طويل القامة،و يبلغ ارتفاعه 170 متراً (558 قدم), وبعرض 1,800 مترا (5,906 قدم) ويبنى من الخرسانة المضغوطة وسيكون له محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية، كل على جانبي قناتي تصريف المياه ، وسوف تحتوي كل منهما على 8 × 350 ميجاوات من توربينات فرانسيس والمولدات ولدعم السد سيكون الخزان بطول 5 كلم (3 ميل)، و 50 مترا (164 قدم). وسيسع خزان السد لحجم 603 مليار م3 من المياه.
ويمثل هذا السد أكبر جزء من مشروع ضخم للإنفاق العام على الكهرباء والطرق والسكك الحديدية في دولة تعتبر من أسرع الاقتصادات الإفريقية نموا.
.
وترفض إثيوبيا التمويل الخارجي، وتقطع بالتالي الطريق على القاهرة في تملك أية وسيلة ضغط  عليها من الخارج والدول التي تعارض بناء هذا السد.

تاريخ نهر النيل واتفاقيات تقسيم الحصص.
كانت الدول المطلة على نهر النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية وهي برطانيا وفرنسا ثم حصلت هذه الدول على استقلالها ماعدا اثيوبيا التي قاومت الكثير من المحتلين (الدولة العثمانية ممثلة بمصر وايطاليا مرتين) وظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902م في أديس أبابا وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان و امبراطورية إثيوبيا، ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات -سواءٌ على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط، ثم تلتها اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا التي كانت تحتل جيبوتي وتستفيد من الواردات الغذائية والبن من اثيوبيا وتصدرها الى اوربا عبر ميناء جيبوتي ، وظهرت في عام 1929  اتفاقية أخرى  بعد ان خططت ايطاليا ان تبني سدا لانتاج الطاقة الكهربائية على نهر النيل وهذه الاتفاقية تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه‏ النيل،مقابل تمويل ومساعدات اسلحة لاثيوبيا وإن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده وهذه الاتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا (التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من تدفق للسودان و92.3٪ لمصر.
في عام 1956م  وحتى عام 1964 تم تحديد الموقع النهائي  لبناء سد كبير في إثيوبيا في عهد الامبراطور هيلي سيلاسي وتم هذا العمل بواسطة( مكتب الولايات المتحدة الامريكية للاستصلاح (  تابعة لاحدى إدارات الخارجية الأمريكية  خلال عملية مسح للنيل الأزرق أجريت بين عامي 1956 و 1964.
في ابان الحكم الدرك الشيوعي لاثيوبيا حاول الرئيس مينغستوا ان يتعاون مع الاتحاد السوفيتي لبناء سد مشابه لسد اسوان المصري على نهرالنيل الا ان خلافا دب بين مصر واثيوبيا كان الاول من نوعه ودعمت اثر ذلك مصر قيام دولة الصومال باجتياح اثيوبيا واحتلال اراضيها الا ان الكفة رجحت في النهاية لاثيوبيا ووقف الاتحاد السوفيتي بجانب اثيوبيا  لكن حلم السد تبدد بسبب الحروب الاهلية في اثيوبيا.
في أكتوبر 2009 و أغسطس 2010م قامت الحكومة الإثيوبية بقيادة الراحل المفكر الاقتصادي والسياسي ملس زيناوي  بعملية مسح للموقع بحيرة تانا ومجرى النيل الازرق  ,وكان هذا الملف مشروعا سريا ويطلق عليه مشرو ع  X و بعد الإعلان عن عقود المشروع سمى بـ  سد الألفية ثم بسد النهضة .
في نوفمبر 2010 م، تم الانتهاء من تصميم السد .
في 31 مارس 2011، و بعد يوم واحد من الإعلان عن المشروع ، تم منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار دون تقديم عطاءات تنافسية لشركة إيطالية ( Salini Costruttori)
في 2 أبريل 2011 وضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق ملس زيناوي حجر الأساس للسد وقد تم انشاء كسارة للصخور جنبا إلى جنب مع مهبط لطائرات الصغيرة للنقل السريع.
و قد قال رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوى ابان وضع حجر الاساس، (إن سد النهضة العظيم ، هو الدليل الذى كسر المفهوم الخاطئ بأن إثيوبيا لا يمكنها تنفيذ المشاريع الضخمة من مواردها الخاصة).

دول المنبع ومواقفها تجاه الاتفاقيات القديمة .
أغلبية دول حوض النيل ومن بينها أثيوبيا تعترض على الاتفاقيتين التي تقسم الحصص فقط لدول المصب وهو اتفاق جاحد لحقوق دول المنبع، لذا أبرمت عام 2010 اتفاقا منفصلا في عنتيبي يجيز لها القيام بمشاريع  تنموية على نهرالنيل من دون طلب اذن من القاهرة او الخرطوم.
المخاوف المصرية من سد النهضة
سرد عثمان كباشي وهو كاتب ومؤلف عن سد النهضة  حول وجهة النظر المصرية يقول انها لم تبني دائما علي أساس علمي،بل علي أساس وجهة النظر الضيقة و ترى الوجه المصرية أن مستويات التخزين في السد ستحرم القاهرة من كميات هائلة من المياه اكتسبتها بموجب اتفاقيات سابقة مع بريطانيا أعطت مصر على الدوام نصيب الأسد من مياه النيل.
ومن القاهرة ذاتها تنطلق التحذيرات من الآثار السلبية للسد، خاصة ما يتصل بإمكانية انهيارالسد وبالتالي إغراق أجزاء كبيرة من الأراضي السودانية، وهي تحذيرات رأت فيها إثيوبيا ما سمتها بالمبالغة الزائدة التي تهدف إلى تخويف السودانيين وبالتالي الحصول منهم على مواقف مؤيدة للموقف المصري الرافض لبناء السد من الأساس، خاصة في ظل وجود ما يشبه التأييد السوداني الكامل، وعلى كل المستويات، لوجهة النظر الإثيوبية.
وطلبت مصر وقف أعمال البناء لحين التفاوض بين البلدين وعرضت المشاركة في ملكية المشروع لكن هذا العرض قوبل بالرفض من أديس أبابا.
ونفى الرئيس الاثيوبي تيشومي ما يدور من حديث حول تمويل إسرائيلي للمشروع، مؤكدا أن أديس أبابا لم ولن تتعاون مع إسرائيل، وهي منفتحة على مصر إذا أرادت المساهمة والتعاون في ذلك .

مصر لديها مخاوف جدية حول المشروع بحيث أنها طلبت الفحص والتفتيش على تصاميم و دراسات السد، من أجل تهدئة المخاوف الشارع المصري، ولكن سعت مصر من خلال قوتها الدبلوماسية ان تضغط على اثيوبيا وعلى التمويل ونقل التكنلوجيا السدود اليها  وتمسكت إثيوبيا بموقفها من التفاوض ما لم تتنازل مصر عن حق الفيتو على توزيع المياه
وبعد لقاء بين وزراء المياه من مصر والسودان و إثيوبيا في مارس 2012، قال الرئيس السوداني البشير إنه يؤيد بناء السد  علما  ان السودان ومصر لم توقعا على اتفاق التعاون الإطاري لدول حوض النيل والذي عقد في عام 2010 في عنتبي ونظراً لأنه ينتهك معاهدة 1929 التي تعطي حقوق حصرية للسودان و مصر في مياه النيل.
بعدها أنشأت مصر وإثيوبيا و السودان لجنة دولية من الخبراء لمراجعة و تقييم  وتقديم تقارير عن السد وتتألف اللجنة من 10 أعضاء؛ 6 خبراء من 3 دول و4 خبراء دوليين في مجالات الموارد المائية والنمذجة الهيدرولوجية ، وهندسة السدود والدراسات الاجتماعية و الاقتصادية ، والبيئية  وعقد الفريق اجتماعه الرابع في أديس أبابا في نوفمبر 2012. واستعرض وثائق حول الأثر البيئي للسد و قاموا بزيارة موقع السد وقد قدموا تقريرهم الأولي إلى الحكومات المعنية في نهاية مايو 2013 وعلى الرغم من أن التقرير الكامل لم يتم عرضه علنياً ،فقد قالت الحكومة الإثيوبية أنه وفقا للتقرير، أن تصميم السد يستند على المعايير والمبادئ الدولية " من دون تسمية تلك المعايير والمبادئ وقالت أيضا أن السد " يقدم فائدة عالية لجميع الدول الثلاث ولن يسبب ضرراً كبيراً على كل من البلدان المطلة علي النيل  ووفقا للحكومة المصرية ، فإن التقرير " أوصى بتغيير وتعديل أبعاد وحجم السد .
في 3 يونيو 2013 تم مناقشة تقرير الفريق الدولي من الخبراء مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، واقترحت القيادات السياسية في مصر طرق لتدمير السد، بما في ذلك دعم المتمردين المناهضين للحكومة الاثيوبية  ومن دون علم المجتمعين في الاجتماع، نقلت المناقشة على الهواء مباشرة في التلفزيون المصري مما سبب احراجا كبيرا لحكومة المصرية وطلبت اثيوبيا من السفير المصري شرح الاجتماع فاعتذرمباشرة كبير مساعدي الرئيس مرسي لإحراج الغير المقصود  وواصدرت حكومته بيانا يشجع على حسن الجوار والاحترام المتبادل و السعي لتحقيق المصالح المشتركة دون إيذاء أي من الاطراف  وقد صرح مساعد رئيس الوزراء الإثيوبي  بعدها أن مصر " ... يحق لك اليوم الحلم  بالتدمير لكن هذا محال" ، واستشهد بالماضي بمحاولات جمهورية مصر العربية ودورها البارز في  زعزعة استقرار إثيوبيا.
  وفي 10 حزيران عام  2013  القى الرئيس المصري السابق محمد مرسي خطابا كان يبث مباشرة ايضا يهدد فيها اثيوبيا  ان " كل الخيارات مفتوحة "و لأن " الأمن المائي في مصر لا يمكن أن تنتهك على الإطلاق"، موضحا انه " لا يدعو إلى الحرب ، " ولكن انه لن يسمح لإمدادات المياه لمصر أن تكون المهددة بالانقراض.
واصدر موقع ديرى تيوب الاثيوبي تصريحا  يبين فيه أن مصر يزداد موقفها ضعفا يوما بعد يوم خاصة بعد أن تخلت عنها السودان التى أيدت بناء سد النهضة بإعلان وزير إعلامها أحمد بلال الذى قال إنه رغم أن المصريين لن يكونوا سعداء بكلامى إلا أن سد النهضة سيعود بالنفع على السودان ، وأضافت التقرير: «حتى موقف دولة جنوب السودان جاء إيجابيا بعد إعلان مسئوليها أنهم فى طريقهم للتوقيع على اتفاقية دول منابع النيل عنتيبى .
و أفردت جريدة  تاديس  الأثيوبية تقريرا موسعا حول السيناريوهات المحتملة لأزمة سد النهضة ، وأوضحت أنه طبقا لبعض الخبراء العسكريين الإثيوبيين فإن السيناريوهات المحتملة ستكون إما أن يتقبل المصريون الأمر ، أو أن يتم التفاوض حول السد على طاولة الحوار الدولي و تشترك فيها كل دول حوض النيل، أما الخيار الثالث فسيكون استخدام مصر للخيار العسكرى من خلال تفجير السد بالطائرات العسكرية أو إرسال فرق الصاعقة، وفى هذه الحالة فسيكون رد إثيوبيا مماثلا من خلال إرسال طائراتها الحربية وقصف السد العالى وغيرها من الأماكن الحيوية.
والتقت صحيفة "المصريون" بالسفير محمود درير غيدى سفير إثيوبيا بالقاهرة في سبتمبر الماضي و أكد أن نهضة القارة الإفريقية لن تتحقق إلا بتعاون مصرى إثيوبى جاد وحقيقى، ولكنه شدد على أن "سد النهضة" مستمر ولن يضر بحصة مصر من مياه النيل، ولكنه سيعود بالفائدة على مصر والسودان وإثيوبيا، مشيراً إلى أن أجندة أثيوبيا ليست خارج مكافحة الفقر وبناء دولة نامية و حديثة .
موقف السودان من السد
وفي انتصار دبلوماسي لإثيوبيا شهد السودان تحولا تدريجيا في موقفه اتجاه تأييد السد ورفع اعتراضاته السابقة، ومن المحتمل أن يستفيد السودان من الكهرباء الرخيصة ومياه الري
ولقد امتدح الرئيس السوداني عمر البشير  خلال زيارته الاخيرة لاثيوبيا  سد النهضة الإثيوبي وقال إنه سيحمل الفائدة لكل المنطقة، وتعهد بالتعاون مع إثيوبيا ومصر لاستكمال المشروع الذي لقي معارضة القاهرة بسبب مخاوف من التأثير على حصتها من مياه النيل.
وكشف الرئيس الاثيوبي مولاتو تيشومى في مقابلة صحفية، أن الخرطوم تعد من أكبر الداعمين والممولين لسد النهضة.
وفي ندوة  اقيمت في السودان وحضرها عدد من الخبراء والمهندسين والنخب السياسية خصصت لمناقشة سد النهضة  قال بروفسر محمد عكود عميد كلية الهندسة بجامعة الخرطوم إن ضمانات التنمية للدول الثلاثة من السد تشمل:
   الأتفاق على كيفية تشغيل سد النهضة بحيث تتحقق الفائدة لدول السودان وأثيوبيا ومصر من حيث:-
1- الحصول على كمية المياه المطلوبة.
2- الحصول على كمية المياه فى الوقت المناسب.
3- مراعاة الناحية البيئية على طول مجرى النهر.
4- التأكد من سلامة تصميم وتنفيذ سد النهضة.
من جهته قال نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، دمقا مكنن محمد، في كلمته، إن مشروع سد النهضة "سيكون من أجل التأكيد على مصالح التنمية المشتركة لدول حوض النيل"، مشيدا في الوقت نفسه بموقف السودان من المشروع.
وأوضح أن "موقف السودان من قيام سد النهضة يمثل نضوجا للوعي السوداني ومعرفة السودان لمصالحه وتفهمه للتنمية"، مضيفا: "أن إثيوبيا فخورة بهذا الموقف التاريخي من السودان".
اثر سد النهضة على كمية المياه والبيئة
بالنسبة لسد النهضة هناك إيجابيات وسلبيات لكنها تناسبية فمن محاسنه توليد طاقة كهربائية مائية رخيصة وصديقة للبيئة لا تلوثها ولا تضر الإنسان المرتبط بالأرض والماء والهواء (المنظومة البيئية) للتنمية النظيفة ومن ضمنها الكهرباء المولدة من الخزانات لأنها طاقة متجددة وبالتالي فهي صديقة للبيئة ومتصالحة معها.
 

التأثير على إثيوبيا
بما أن النيل الأزرق هو نهر موسمي للغاية، فإن السد سيقلل من الفيضان، بما في ذلك 40 كم من داخل إثيوبيا فمن ناحية، سيقوم السد بالحد من الفيضانات وهو مفيد لأنه يحمي القرى من الأضرار الناجمة عن الفيضانات  ولكن من ناحية أخرى ، فإن السد يمكن أن يكون ضار، إذ ستقلل نسبة الزراعة بسبب انحسار الفيضانات في وادي النهر للمصب، وبالتالي سيحرم الحقول من الماء السد أيضاً يمكن أن يكون بمثابة جسر عبر نهر النيل الأزرق ويمكن تنمية وسائل النقل فيها لتنقل عبر القرى ودول المصب وفي مقابلات مع بعض السكان المحليين " أعربوا جميعاً عن أملهم في أن يجلب المشروع شيئا من المنافع لهم وذلك من حيث التعليم والخدمات الصحية و إمدادات الكهرباء؛  .
التأثير على السودان و مصر
التأثير الدقيق للسد على دول المصب غير معروف ومصر تخشى من انخفاض مؤقت من توافر المياه نظراً لفترة ملء الخزان و انخفاض دائم بسبب التبخر من خزان المياه ويبلغ حجم الخزان حوالي ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية ( 65,5 مليار متر مكعب ) و سد النهضة الإثيوبي الكبير يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر، إذا تم تخزين الفيضانات بدلا من مصر في إثيوبيا وهذا من شأنه تقليل التبخر الحالي لأكثر من 10 مليارات متر مكعب سنويا ، ولكن سيكون من شأنه أيضاً أن يقلل من قدرة السد العالي في أسوان لإنتاج الطاقة الكهرومائية لتصل قيمة الخسارة لـ100ميجاوات بسبب انخفاض مستوى المياه بالسد بمقدار متر مكعب الا انها تعتبر مسألة تقنية وزمنية يمكن تجاوزها بوضع السياسات والاجراءات التي تضمن تدفق المياه ولا تقطعه .
السد سيحتفظ بالطمي  وبالتالي فإنه سيتم زيادة فترة الحياة والاستفادة من السدود في السودان -  مثل سد الروصيرص والسد سنار و سد مروي - و السد العالي في أسوان بمصر.
وهناك شبه إجماع بين جمهور الباحثين على أن السدود الإثيوبية ستعمل على خفض معدلات الترسيب والإطماء أمام السد العالى فى مصر مما سيزيد من عمره الافتراضى الذى يقدر بـ500 سنة .
أما عن تأثير هذه السدود الإثيوبية على السودان فهناك إختلاف واضح عليه، فمن قائل بأنه سيوفر على البلاد ما يزيد على 12 مليون جنيه سوداني سنويا وهى تكاليف تطهير وإزالة ورفع الطمى وهناك من يقول إن الماء المحمل بالطمى كان يتسبب فى زيادة خصوبة التربة السودانية ومن ثم فإن حجز الطمى أمام السدود الإثيوبية سيدفع السودان (مثلما حدث من قبل فى مصر) إلى تعويض الطمى المترسب بالأسمدة الكيماوية التى ستكبد البلاد مبالغ طائلة بالإضافة لما لها من أثار سلبية على البيئة والصحة العامة للمواطنين.
ـ هناك أيضا شبه إجماع على أن السدود الإثيوبية ستعمل على تنظيم الإمداد المائى لمصر والسودان فبدلا من الإندفاع المعتاد لكامل مياه الفيضان خلال فترة الهطول المطرى التى لا تزيد على 100 ـ 110 أيام سيصير توزيع المنصرف من إثيوبيا على فترة زمنية أوسع مما يحسن من إمكانية الاستفادة بها ورفع كفاءة استخدامها.
وأشار التقرير النهائى إلى وجود بعض التأثيرات البيئية والاجتماعية، والتى تتمثل فى الإضرار بالثروة السمكية والمرتبطة بتدهور نوعية المياه نتيجة تحلل الزراعات الموجودة بمنطقة بحيرة السد، بالإضافة إلى تأثر صناعة الطوب بالسودان نتيجة تقليل كمية الترسيبات الواردة مع المياه، فضلا عن تدهور خصوبة التربة الزراعية بالسودان
السد سوف يحل مشكلة الإطماء المتراكم الذي يشكل مشكلة الآن في مشروع الجزيرة وانسداد القنوات الذي يصرف عليه 4 مليون دولار لتسليكها، ودائما تخزين المياه في الأعالي أفضل من التخزين أسفل النهر اي ان الافضل ان يكون التخزين في اثيوبيا وهي مرتفعة بدلا من السودان او مصر .
كذلك فإن السد يسيطر على الفيضانات فلن تحصل فيضانات بالطريقة المريعة كما في فيضانات 1988 وفي 1998 و1946 او التي حصلت في العام الماضي وسيكون هناك تحكم في مياه الفيضانات ولن تحصل الفيضانات المريعة التي تقتل الناس وتجتاج القرى وتتلف الأرض الزراعية و كذلك يستفيد المزارعون بالري المنظم طوال العام في السودان.



اثر سد النهضة على التنمية والاقتصاد لاثيوبيا ودول الجوار
هناك فوائد كبيرة للسد ولأنه يقوم بإنتاج الطاقة الكهرومائية التي يتم إنتاجها بواسطة محطة الطاقة الكهرومائية ثم يتم الاستفادة منها وبيع الفائض لدول المجاورة بما في ذلك السودان وربما مصر  و لبيع الكهرباء من السد سيتطلب هذا بناء خطوط نقل ضخمة
وهذه المبيعات الناتجة عن السد من شأنها أن تحقق عوائد مربحة ودائمة لدولة اثيوبيا  بالاضافة الى توطين الصناعة وتتطويرها ومن المتوقع ايضا أن يتم بيع الكهرباء الى اليمن ودولة الصومال وكينيا وجنوب السودان وجمهورية جيبوتي واوغندا ورواندا وخصوصا ان الفائض  من الطاقة الكهربائية سيكون كبير خصوصا بعد الانتهاء من السدود قيد الإنشاء في إثيوبيا، مثل سد جيلجل وجيب 3.
مشروع بهذا الحجم وحسب توقعات العلماء الإثيوبيين سوف ينتشل اثيوبيا من التخلف لمرحلة متقدمة من التطور، وسوف يكون دافعا لوحدة الشعب الإثيوبي ولاستقرار المنطقة، ويدر عطاءه على دول الجوار خاصة في توفير الطاقة الكهربائية النظيفة والصديقة للبيئة.
هناك من يقول إن كمية الطاقة التى ستنتجها السدود الإثيوبية تفوق عشرات الأضعاف قدرة المجتمع الإثيوبى على استيعابها والاستفادة منها وأن نقل هذه الطاقة إلى الجنوب والداخل الإفريقى يحتاج إلى خطوط وشبكات لا قبل لاثيوبيا بها ولا بتكاليفها، ومن ثم فإن البديل المتاح لن يكون سوى بالاتجاه شمالا وشرقا إلى مصر والسودان  ودول شرق افريقيا وسيوفر ذلك للبلدين طاقة رخيصة يمكن الاستفادة بها محليا فى حالة السودان وجنوب السودان ويمكن لمصر أن تعيد تصديرها بأسعار اعلى إلى البلاد المجاورة لها مثل فلسطين والاردن.
لايمكن أن تقوم إثيوبيا بعمل يضر بجيرانها واشقائها في دول المصب.
يقول الامايو تيجنو, وزير الري والطاقة الاثيوبي أن الشعب الاثيوبي شيد سد النهضة الاثيوبي لمحاربة الفقر في البلد والمنطقة.
واضاف اليمايهو تيجنو, في حواره مع الاعلامية لميس الحديدي عبر برنامج هنا العاصمة ” عبر شاشة سي بي سي في أول حوار يجمع بين وزراء الري في بلدان مصر والسودان وإثيوبيا , أن هذا السد مهم وسوف يسهم بشكل ليس ليكون له تأثير سلبي على دول المصب بل تم تصميم هذا السد بطريقة تفيد دول المصب وقال الوزير “نحن هنا في مصر ليس لمناقشة تقليل حجم السد نحن هنا لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية للخبراء ” .
وفيما يتعلق بمخاوف بعض الدوائر الاثيوبية من ان الخلاف مع مصر من الممكن ان يؤثر على العلاقات مع باقي الدول العربية، قال الرئيس الاثيوبي الحالي السيد تيشومى أن علاقات بلاده مع العرب قائمة على المصالح المشتركة، وأن العالم العربي يمثل لإثيوبيا شريكا أساسيا في التنمية والتجارة والاستثمار, وإن سد النهضة، الذي يجرى تشييده، يبنى من قوت الشعب الاثيوبي وما نشاهده من عمل وآليات وماكينات يؤكد على أنه لن يتوقف ولو لثانية واحدة وأن الشعوب والقوميات الاثيوبية التي مولت السد ستكمل هذا المشروع"، مضيفا: "ان مشروع سد النهضة سيجعل الفقر تاريخا يحكى في إثيوبيا".
وأضاف أن "الحكومة الإثيوبية تسعى بمشروع سد النهضة لربط دول الجوار بالتنمية المشتركة"، متابعا أنه "سيكون جسرا للسلام والتنمية لدول الجوار".
خلاصة هذا البحث
1-   اثيوبيا دولة فقيرة وطموحاتها للتنمية تقوم على اساس الاستفادة من مواردها الطبيعية المتاحة.
2-    التمويل الذاتي لمشروع سد النهضة قام على اساس منع مصر والدول المانحة من التحكم في مسار بناء السد واعاقته حيث من المعلوم ان مصر لديها تحالفات قوية مع الدول الغربية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ويعتبر دورها الدبلوماسي في الشرق الاوسط قوي وتستطيع الضغط عليهم لوقف البناء والتمويل.
3-   كانت هناك محاولات في السابق لبناء السد بأت اغلبها بالفشل لاسباب عديدة علما بان اول من فكر ببناء سد كبير على نهر النيل هم الايطاليون .
4-   الاتفاقيات الاستعمارية السابقة تعتبر مجحفة في حق دول المنبع.
5-   افريقيا اليوم اتجهت الى الشرق(الصين والهند وروسيا) وكان من فوائده ان التكلنولوجيا اصبحت متاحة لهم بعدما احتكرها الغرب لنفسه وهذا جعل الكثير من الشركات الغربية التي تعاني من العجز في منافسة الشرق في تنمية افريقيا.
6-   المشروع في عهد الرئيس الراحل ملس زيناوي كان سريا  ويطلق عليه مشروع اكس حيث انه بأن على التاريخ الماضي لا تسمح القوى المسيطرة على العالم بتبني فكرة المشروع وبناءه من دون موافقتها وبأن على شروطها وربما اعدمته في المهد لكن من دهاء الرجل وحكنته انه ابقاه سرا حتى تتيح الفرصة الاعلان عنه  وان يتم تمويل المشروع من محليا وكان ما اراد لكنه مات او قتل(حسب بعض الاراء) قبل ان يرى اكتمال المشروع .
7-   لكل مشروع اثاره الإيجابية والسلبية ومشروع سد النهضة لديه اثاره الايجابية والسلبية  ولكنها بنسبة ,فالاثار الايجابية تتفوق على الاثار السلبية بنسبة 80%.
8-   المخاوف المصرية لديها مبررتها ولكن على مصر والشعب المصري أن يتفهم متطلبات التنمية لدول المنبع ويجب عليها ان تكون متعاونة ومتفاهم لانه السبيل الوحيد لتحقيق الفائدة للجميع.
9-   الموقف السوداني درس الموضوع بشكل علمي وهو كان في السابق من المعترضين على المشروع لكنه في النهاية اتخذ قرارته على اسس علمية وتقنية ورأى ان فوائد مشروع سد النهضة هي في صالح السودان وان الاضرار لا تقارن بفوائده.
10-       مصر تستطيع ان تستفيد من الكهرباء الاثيوبي لتشغيل محطات تحلية مياه البحر إن هي خشية العجز في موسم الجفاف وتوفير مياه الشرب لشعبها وخصوصا انها تملك ساحلا كبير وعلى بحرين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط وهو حل يبدد مخاوف العطش التي تحتج به مصر على مشروع بناء سد النهضة .
المراجع :
تقرير البنك الدولي عام 2012- جريدة العلم الاثيوبية- موقع والتا الاثيوبي- موقع ويكبيديا  - صحيفة الراكوبة السودانية- موقع سي أن ان الاخبارية الامريكية - موقع ديرتيوب الاثيوبية– موقع صحيفة اليوم السابع المصرية- صحيفة المصريون – موقع الجزيرة الاخباري- موقع العربية .

تعليقات

الأكثر رواجا

الإستثمار في أثيوبيا (الاتجاه الصحيح للاستثمار )

تجارة المواشي في أثيوبيا

كيف تدير أمورك المالية؟

البطة السوداء

اثيوبيا التاريخ والحضارة

النجاح ..وأعداءه

استايل الغذاء العصري Teff (التيف)

الاستثمار الزراعي في إثيوبيا

المساجد في العاصمة أديس أبابا معالم وجمال

الشيخ الدكتور : “محمد رشاد ” من علماء أثيوبيا