الصراعات الاقتصادية



اليوم تعتبر المنافسة من أبرز السمات الطاغية على النظام العالمي الجديد والعولمة في ظل الندرة الاقتصادية وتزايد الطلب العالمي على الغذاء والدواء والمنتجات الرفاهية بين الدول عبر هوامير التجارة والأعمال والشركات العملاقة والصغيرة في ظل منافسة شرسة في كسب وتحقيق الأرباح  ،سأقدم لك فكرة بسيطة للنظام المتبع  قبل بداية اي مشروع تجاري أو صناعي في النظم المتبعة لنظام الرأسمالي.. فعندما ترغب في  فتح مشروع جديد أو طرح منتج جديد أو خدمة جديدة في السوق فإنك أولا تقوم بعمل دراسة جدوى  للمشروع عند المؤسسات المتخصصة في ذلك، بهدف معرفة تفاصيل (نظرية) عن جدوى انشاء هذا المشروع الخاص أو الخدمة والمنتج الذي تريد طرحه في السوق من ناحية الربح والخسارة ومدة دوران رأسمال المشروع ،وفي هذه الدراسات  لابد أن يتضمن قسما مخصصا لدارسة السوق ومدى حاجة السوق واستيعابه للمنتج أو الخدمة التي تقدمها ومن ضمنها دراسة المنتج المنافس لمنتجك في السوق والبديل للمنتجك إذا غير عميل قراره في شراء منتج بديل عن منتجك  وهل يحقق له المنتج البديل الإشباع المتوفر في منتجك...
في هذه الدراسة يتم جمع  وتحليل المعلومات والأرقام والبيانات الإحصائية ونقاط ضعف المنتج المنافس ونقاط قوته.. ومن ثما يتم قياس ذلك وتقديره لمنتجك ومعرفة مدى قدرتك على المنافسة وتحقيق الربح من خلال هذا السوق  ...
طبعا (الارازق بيد الله )لكن الدراسة يعتمدها الاقتصاديون من باب العلم والمعرفة لاتخاذ قرارات رشيد، وغالبا تطلب اجراءه اغلب الجهات المعنية من المؤسسات الحكومية  من باب معرفة تفاصيل المشروع  وفوائده  وتأثيره على الاقتصاد القومي والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية.. والأرباح المتوقعة والتأثيرات الجانبية للمشروع على البيئة والمجتمع والصناعة والتجارة المحلية وومدى قدرته على توفير فرص العمل وتشغيل الأيدي العاملة وفتح الفرص الاستثمارية المتاحة وتقديم الخدمات المرافقة لها ومعرفة الاحتمالات واستشراف المستقبل .
دراسة الجدوى بالنسبة لصاحب المشروع مهم جدا خاصة في الاسواق الكبيرة والعالمية لكي يتمكن من دخول السوق وهو مسلح جيدا ضد ضرباتها ولتحميه  من (الفشل) أو الخسارة المحتملة وتساعده على وضع الخطط الإدارية لمشروعه  وترشيد قراراته بناء على المعلومات والبيانات والأرقام مما يمكنه من تجاوز العقبات ويساعده في تطوير ونمو مشروعه في المستقبل.
في البلدان المتقدمة المنافسة مفتوحة ويحميها القانون وتشجعها الحكومة بين  الشركات والمؤسسات لتقديم أفضل مالديهم ولكي يبدعوا ويتحوا خيارات متعددة للمستهلك وتعتبر( الميزة النسبية) في خدماتك أو منتجك  معيارا قويا للتفوقك على المنافسين  ام بجودة المنتج او بالسعر او بالخدمات المرافقة للمنتج او حتى بالهدايا والمنح التي تقدمها لزبائنك ،ومن بين النماذج لشركات المتنافسة على سوق تكنولوجيا الهواتف النقالة  (شركة سامسونج) الكورية ومنافستها( شركة آبل) الأمريكية،  وام في مجال الانترنت وتكنولوجيا المعلومات والتطبيقات والبرمجة نجد شركة (جوجل) و(ميكروسوفت) و(فيس بوك) وهي شركات أمريكية  .. وأم على مستوى استقطاب رؤوس الأموال والشركات العملاقة بين الدول تأتي في  جمهورية الصين في مقدمة هذه الدول بميزة نسبية لها مكنتها من  كسب ثقة المستثمرين في أغلب الشركات الدولية والعابرة للقارات وذلك لتوفيرها للمستثمرين إمتيازات ومحفزات تتمتع بها الصين عن غيرها من البلدان ولرخص الأيدي العاملة فيها ووجود إمكانيات وقدرات بشرية تساهم في تطوير وتحديث المنتجات المصنعة عندهم...
يوجد وجه آخر للمنافسة الغير شريفة تستطيع أن تسميها  (مصارعة اقتصادية)  غالبا هي موجودة في كثير من بلدان  العالم الثالث ،وسياسيا يستعملها العالم الأول ضد العالم الثالث في صراعاتهم الاقتصادية وهناك  شركات محسوبة على الحكومات  ومنتنفذين في السلطة و شركات عملاقة لديها قدرات مالية ضخمة لكنها تفتقر لأدوات المنافسة الحرة  وليس لديها ميزة نسبية ..فيستخدمون السلطة والسياسة والدهاء في فرض أنفسهم ويتحكرون المجال والمناقصات لأنفسهم ويمنعون من دخول منافس لهم لعلمهم بعدم قدرتهم على المنافسة الحرة، ويستخدمون ما يسمى اقتصاديا (بميزة الدهاء الاقتصادي) وربما ما تقوم به فيس بوك وجوجل من شراء الشركات والمنتجات والتطبيقات المنافسة لها بأسعار خيالية يبين لك مدى الدهاء الاقتصادي لديهم لكي يستمروا في  عملهم لمدة أطول  ويكسبوا المزيد من العملاء وينوعوا في منتجاتهم حتى لا يخرجوا من السوق كما خرجت( شركة نوكيا) العملاقة من سوق الهواتف النقالة  أمام المنافسين الجدد (آبل )و(سامسونج)  وهو طبعا يعتبر نوع من الدهاء الناعم في استخدم نقاط ضعفك الحالي لافتقارك الى السيولة النقدية ببيع المشروع بسعر مغري جدا  وخروجك من المنافسة بالاستيلاء لهم  مقابل مكسب محترم ،ويستمروا هم في السوق لكسب اموالهم وأرباحهم في المستقبل وزيادة عدد زبائنها وعملائهم.
يوجد نوع آخر من المنافسه الغير شريفة  وهو اسلوب (الاغراق) وهو نوع من أنواع المكايدة الاقتصادية  فمثلا تقوم دولة الهند باغراق سوق معينة في مدة زمنية معينة بمنتجات مثلا زراعية  مثل( البن) بأسعار غير معقولة للمنتج بهدف إصابة  المنافس لها في هذا السوق بالخسارة لإخراجه من السوق فهم لامتلاكهم السيولة يتحملون الخسارة وأعباءها في هذه المدة الزمنية المعينة ليكسبوا في المستقبل، بينما المنافس  يخرج من السوق نهائيا أو مؤقتا.. ومثال اخر لهذه
العملية أن يدخل تاجر معين في بلد معين بضاعة جديدة معينة في مدة زمنية معينة ويدفع على إدخال المنتج ضرائب ورسوم ويجمرك البضاعة ومن ثم يدخلها السوق ويعرض بضاعته فتجد قبولا وطلبا غير عادي عليها وتدر عليه مكسبا وربحا عالي ويكرر العملية مرة أخرى ولكن بكمية أعلى من السابق ويستدين أموالا طائلة لهذا الغرض ..وفي السوق يوجدتاجر كبير وتمساح  من أصحاب النفوذ بجمع المعلومات عن هذا التاجر وعن بضاعته  فيقوم  باستيراد نفس هذه البضاعة وبكمية أعلى من كمية التاجر العادي ويستغل نفوذه في  تقليل التكاليف والحصول على امتيازات استيراد البضاعة دون ان يدفع لا رسوم ولا ضرائب ولا جمارك على استيراده لهذا البضاعة بينما التاجر العادي يتحمل كل تلك التكاليف ...
وفي السوق يقوم التاجر العادي بعرض البضاعة بسعر التكلفة(جمارك،رسوم،شحن،ضرائب...الخ + الربح
بينما يعرض التاجر المتنفذ بضاعته بسعر  تكلفة مخفضة(شحن... +ربح منخفض
فيقبل السوق على بضاعة التاجر المتنفذ  وتتكسد البضاعة عند التاجر العادي الذي هو يكون مديون ويطالبه الدائنين بحقهم فيبيع البضاعة بالخسارة وبسعر التاجر المتنفذ ويخرج التاجر العادي من السوق (تخيل معي اذا كانت الخسارة بمئات الملايين من الدولارات كيف تكون الحالةالنفسية لهذا التاجر) ..
في بعض البلدان تستخدم قوة السلطة في فرض منتجها كما يحصل في كوريا الشمالية ويمنع دخول أي منتج منافس لمنتجهم وعلما أن المنافسة تبرز معياير الضعف والقوة  في المنتج ،و هو مهم جدا لمستهلك  وللشركة المحلية المنتجة أيضا لكي يتيح لها  الإبداع والتطوير والنمو  في منتجاتها وخدماتها التي تقدمها لزبائنها، ولكن وبدلا أن يفشل المنافس أمام منتجك وبضاعتك من خلال المنافسة الحرة  وبالمعايير والجودة والطلب علي منتجك في السوق  كما (يحصل مع شركة سامسونج وابل في تنافيسهما) تقوم الشركات المعتمدة على السلطة بعملية إفشال المنافس بالقوة  وذلك ام من  خلال استخدام السياسية والسلطة والإختراق  وتلفيق التهم بالتهديد الأمني والاتهام بتمويل الإرهاب او من خلال التجسس والهكر والسرقة البيانات والمعلومات الخاصة بالمنتج  أو عبر الاستحواذ على المشروع ومصادرته  بتهم الفساد والتهرب الضريبي  أو من خلال إرغام صاحب المشروع بقبول شركاء  ومساهمين في الشركة لأجل التأثير على قرارت الشركة ونوعية المنتج  أو من خلال تأجير  الشركة أو المؤسسة بكاملها لهم وفي النهاية ارغمك على الخروج من السوق وتكون في خبر كان.....الخ
الدول والشركات العملاقة والكبيرة والتي تملك  سيولة نقدية ضخمة تتنافس بأساليب الدهاء الإقتصادي ولعل الأحداث التي حصلت في القرن الإفريقي لشركة عملاقة تابعة  لأكبر دولة تجارية بترولية معروفة عالميا اليوم ب وهي الإمارات العربية المتحدة يجعل التحديات أمام المنافسين كبيرة وأخذ الاحتياطات لازما في ظل هذا الصراع الاقتصادي الشرس ..
واختم بمقولة  استشهد بها يومًا أحد أبرز القادة في العالم وفي الشرق الأوسط  وهو أمير إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة  الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في أحد خطابته قائلا بأن «نصف النجاح هو فشل منافسيك».

تعليقات

الأكثر رواجا

الإستثمار في أثيوبيا (الاتجاه الصحيح للاستثمار )

تجارة المواشي في أثيوبيا

كيف تدير أمورك المالية؟

البطة السوداء

اثيوبيا التاريخ والحضارة

النجاح ..وأعداءه

استايل الغذاء العصري Teff (التيف)

الاستثمار الزراعي في إثيوبيا

المساجد في العاصمة أديس أبابا معالم وجمال

الشيخ الدكتور : “محمد رشاد ” من علماء أثيوبيا