مشكلة المجاعة في البلدان النامية والحلول المتاحة


                         **********

يعتبر الإقتصاديون مشكلة الندرة في الموارد الطبيعية ،والزيادة السكانية المتضاعفة وعدم مواكبة الدولة لحاجاتهم المعيشية وتوفير فرص العمل لهم عقبة كبيرة أمام تحقيق التنمية والنمو الإقتصادي في أي  بلد من البلدان سواء كانت نامية أو متقدمة .. فلذا يلوح الخبراء الإقتصاديون بالراية الحمراء  (إنذارا) ويحذرون من كارثة ستقع عاجلا أو  أجلا اذا لم يتم تدارك الأزمة  فالزيادة السكانية ومحدودية الموارد وندرتها هي من علامات بوادر  أزمة اقتصادية وقد تكون علامة على حدوث المجاعة والفقر وتكون الازمة خطيرة وداعية للتدخل الخارجي للاغاثة إذا كانت مصاحبة لكارثة بيئة أو لحرب أهلية كما هو في اليمن وسوريا أو إذا كانت الدولة عاجزة عن توفير الغذاء لمواطنيها..
نظرية الزيادة السكانية والزيادة في الموارد الطبيعية  دائما ما يصف علماء الإحصاء وعلماء الإقتصاد العلاقة بينهما بأنها علاقة عكسية ، فالسكان يتزيدون بمتوالية هندسية، بينما الزيادة في الموارد الزراعية فهي تتزايد بمتوالية عددية ،وسواء كانت هذه النظرية صحيحة أو تحتاج إلى مزيد من البحوث لتكون قانون ،فإنه من المؤكد أن المجاعات التي تحصل في عالمنا اليوم ليست بفعل البيئة فحسب بل البشر لديهم يد في ذلك  .
جاء في تقرير البنك الدولي لعام  2018م أنه يعيش  10% من سكان العالم في فقر مدقع وبناء على معلومات جُمِعت من 15 بلد منخفضة الدخل  و يُعرِّف البنك الدولي الفقراء المدقعين بأنهم أولئك الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم.
في كتاب صناعة الجوع للمؤلفين فرنسيس مور وجوزيف كولنيز الفرنسيين اصدار عالم المعرفة يتحدث الكتاب عن المخطط المنظم للرسم السياسية العالمية والتحكم في مصير الشعوب من خلال( الخبز) ولقمة العيش عبر السيطرة  واحتكار تكنولوجيا وتقنيات  الزراعة والتغذية، ومن خلال عرض عدة نظريات يناقشه الكتاب ،منها نظرية تشكيل العقول والقيادات ،ونظرية الإعتماد على المساعدات والتنمية الغير مجدية وإعاقة تمويل الاستثمار في مشاريع عملاقة التي تساهم في إخراج البلدان النامية من دوامة الفقر والعجز المالي،  وحث الدول النامية على الاعتماد الائتمان الدولي الذي يوفر الحاجات الأساسية لمواطنين أو توفير قروض لمشاريع إنشائية ذات فوائد ربوية عالية وذلك من أجل أن يستمر المستعمر القديم بالرخاء والثراء وتظل الشعوب المستعمرة كما هي فقيرة وتدور في دوامة الفقر بينما تكسب الشركات العالمية ارباحا طائلة على حساب عرق الشعوب الفقيرة في العالم الثالث .
كثير من خبراء الإقتصاد يصفون الوضع العالمي الاقتصادي بأنه يقوم على  مبدأ 20/ 80   أي أن 80%من ثروات العالم يتحكم فيها 20%من سكان العالم وهذا ما يحصل تقريبا.
فهل تعلم بأن الفقراء يتضاعفون بضعف سرعة تضاعف الأغنياء الأثرياء على مستوى العالم وأن الطبقة المتوسطة في كثير من البلدان العالم الثالث في تأكل مستمر بسبب التضخم  ،وخصوصا في  ظل أزمة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي ، الأزمة الاقتصادية الدولية  والحرب التجارية التي يخوضها الرئيس الأمريكي ترامب ضد منافسيه من الدول ، وضعف الناتج العالمي وتفاقم الديون للدول الفقيرة ، وحتى توقعات صندوق النقد الدولي متشأئمة عن الاقتصاد الدولي و أن هناك بوادر أزمة في السوق المالية التي يعتقد كثير أو بعض المحليلين بأنها مفتعلة .
قلة قليلة من الدول و الشركات الدولية ورجال الأعمال الدوليين هم من يملكون ويستثمرون في الغذاء العالمي ومن ورائهم المنظمات المتخصصة في هذا المجال والتي تتحكم في الناتج العالمي عبر التخلص من الفائض كما يحصل في أمريكا التي تتخلص من أطنان كبيرة من القمح في البحار حفاظا على أسعارها وكذلك تخلص استرليا للذرة برمي أطنان ضخمة منه في المحيط حتى لا تنخفض أسعارها عالميا بينما الكثير من البشر  في البلدان النامية تتعرض محصولتهم الزراعية  للمواد الكميائية التي تحتويها الأسمدة والمبيدات والتي تضعف الإنتاج وتفقد قيمتها الغذائية ،وإذا عجزة الدولة النامية  انتاج غذائها فهي ستستورده من الخارج أم على شكل مساعدات أو بشرائها من الخارج ...
  بينما كثير من الدول لم تفكر في الاستثمار في انتاج غذائها بنفسها بشكل جيد وربما كان التمويل والفساد من أهم المعوقات التي تعيق الاستثمار  والاستفادة من مواردها المتاحة مثل دولة السودان التي تسمى بسلة غذاء العالم  وامتلاكها ميزة الزراعة بأقل كلفة وابسط الطرق .
الشركات الدولية تهتم مصالحها ومصالح المساهمين ولا يريدون سوا الارباح فقط و من اجل الارباح لايهمهم أرواح الملايين من البشر فيها لاتساوي فلسا واحدا عندهم. .
إن مشكلة الجوع ليست مشكلة معقدة وليست لغزا محيرا بل يمكننا في أي مكان في العالم معالجته والسيطرة عليه فهل يعقل بأن 500مليون من البشر هم سيء التغذية او جائعيين بينما هناك دول في العالم تمتع برفاهية عالية إسراف  بل إن نصف القمح الامريكي الأسترالي يتم كبه في البحر...
ربما كان نصف ما ينفقه الاغنياء في العالم يكفي لتغذية 500مليون شخص من الجوعا.
فبالمقاييس العالمية يوجد الآن ما يكفي من الغذاء لكل فرد في العالم.فالعالم  ينتج كل يوم رطلين من الحبوب أي أكثر من 3000سعر حرارية من الفواكه والحبوب والخضروات والبقوليات وحتى الآن لو قارنا وضعنا مع وضع الإنتاج المحققة لوجدنا  اننا نملك وفرة غذائية لو تم توزيعها بالعدل والمساوة والتي تعتبر هي اساس المشكلة العالمية واساس الازمة العذائية العالمية.
فهل تعلم بأن المساحة الزراعية المزروعة في العالم اليوم هي 44% من الارض الصالحة للزراعة وفي كل من افريقيا وامريكا اللاتينية لايزرع سوى أقل من 25 % من الاراضي التي يمكن زراعتها،  ويمكن لمحاصيل الحبوب في الدول النامية أن تفوق الضعف قبل أن تصل الى متوسط المحصول في الدول الصناعية،  وليست هناك اي سبب طبيعي أو كيميائي يحول دون أن يفوق انتاج فدان في معظم البلدان النامية الإنتاج في الدول الصناعية والعقبة الحقيقية امام هذه الدول النامية ليس تقني وانما اجتماعي وسياسي فحيثما كان هناك فساد وسيطرة غير عادلة وغير ديمقراطية على الموارد الطبيعية والانتاجية فإن التطور والتنمية ومكافحة الجوع ستظل كما هي ويظل التهديد بالجوع قائما.
وهذا يجعلنا نراجع مسألة الاحتكار القلة لعدد كبير من الأراضي الزراعية ونفس هذا المنطق ينطبق هذا الوضع على دول القرن الافريقي والتي هي تعاني من مشاكل الجوع والفقر والتي احتكر فيها بعض التجار الموراد الزراعية تحويلها للتصدير من أجل الارباح بينما يتم تفريغ السوق من تلك المحاصيل ومثلها الصومال التي عانت السنة الماضية من الجوع بسبب سياسة بيع المساعدات وشراءالاغذية المستوردة بأسعار رخيصة واعادة تصديرها الى الخارج بأسعار مرتفعة ليحقق هؤلاء التجار الارباح بينما الحكومة منشغلة بالسياسة والحرب على الارهاب والتي هي ايضاتعتبر طرفا مهما في الازمة.
ان اصلاح السياسات الاقتصادية الحكومية والتوزيع العادل للموارد الطبيعية والاستثمار في الزراعة والمحاصيل النقدية بمعدل 70% استهلاك محلي وتخصيص30%إلى 40% للتصدير  والفائض منهما للتخزين فإن الأزمة نوعا قد تنحل ويصبح عدد الجوعا في العالم أقل وأقل كلما تحقق الاكتفاء الذاتي وتم التوزيع العادل بين اقطار العالم .
تجربة أخرى لابد من تسليط الضوء عليها في القرن الإفريقي وهي الخطة الإستراتيجية لجمهورية جيبوتي للخروج من قائمة الدول المعرضة للجوع ورغم أنها دولة غير زراعية إلا أنها اعتمدت استراتيجية زراعة الف نخلة وزيادة الإنتاج في أعداد الماعز  وهذا في إطار  الممكن في بيئة مثل بيئة دولة جيبوتي ذات المناخ الحار  وهو ما يمكن أن نسميه (إستغلال الممكن لغد أفضل ) فكل دولة لديها ميزة نسبية تستطيع أن تخرج عبر استراتيجية في إطار الممكن من قائمة الدول المعرضة للمجاعة .

تعليقات

الأكثر رواجا

الإستثمار في أثيوبيا (الاتجاه الصحيح للاستثمار )

تجارة المواشي في أثيوبيا

كيف تدير أمورك المالية؟

البطة السوداء

اثيوبيا التاريخ والحضارة

النجاح ..وأعداءه

استايل الغذاء العصري Teff (التيف)

الاستثمار الزراعي في إثيوبيا

المساجد في العاصمة أديس أبابا معالم وجمال

الشيخ الدكتور : “محمد رشاد ” من علماء أثيوبيا