حقيقة العبيد في مصر تؤكده التقارير وتنكره الحكومة


                          ----------------------
العديد من  الدول  وضعت  من خلال  دساتيرها وقوانينها الوطنية  المواد التي تردع كل من  ينتقص من كرامة الشخص أو تبيح لفئة معنية ممارسة التضيق على فئات أخرى، تنزيلا للمواثيق الدولية التي جرمت العبودية والاسترقاق وفقا لمثياق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وحسب تقرير خاص بالبي بي سي فإن  عدد العبيد حول العالم يصل إلى 27 مليون شخص، وهو ما يفوق بالضعف مجموع من يعتقد أنه تم استقدامهم من أفريقيا إبان  رواج تجارة العبيد العابرة للمحيط الأطلسي   ،وتتصدر الهند دول العالم في مؤشر العبودية في الزمن المعاصر، بمعدل يفوق 14 مليون هندي يشتغلون كعبيد، حسب مؤشر العبودية العالمي.
يتم تعريف العبودية أو الرق  بأنه : امتلاك الإنسان للإنسان وتسخيره في خدمته من دون مقابل ولا يملك الانسان العبد حريته ولا أدنى حق من حقوق الإنسان في التصرف واتخاذ القرار  باعتباره مملوكا لسيده.
تعتبر دولة موريتانيا الإسلامية من أبرز الدول العربية والإسلامية  التي تعاني من أزمة العبودية وممارسة العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء و ترجع الأسباب التي جعلت هذا البلد يعاني من هذه الظاهرة رغم تجريمه في الدستور وتحريمه في دين الإسلام إلى ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
التقارير ذكرت جمهورية مصر العربية  وهو ما لفت انتبهي وجعلني ابحث عن هذا الموضوع رغم التعتيم الإعلامي عليه فلا يزال أصحاب البشرة السوداء في مصر يخوضون معركتهم للتخلص من الموروث الاجتماعي الذي علق بهم خصوصاً من كان أجدادهم "مستعبدون" لدى  بعض عائلات في منطقة الصعيد ، ولقد كشف المؤشر العالمى للعبودية لعام 2017 أن عدد العبيد في مصر يصل إلى نحو 518 ألف عبد، وتكشف الدراسات أن هذا العدد بصفة خاصة يتواجدون في محافظات الصعيد ، تحديدًا بشكل كبير في مدينة أسيوط وسوهاج وقنا وفى أجزاء من أسوان، بينما لا تعرف محافظات الوجه البحري ظاهرة العبيد وفي بعض مدن الشرقية، وخاصة المناطق التي تقطنها قبائل وعائلات تنحدر من أصول عربية !
تذكر التقارير الصحفية أن الكثير من  عبيد سوهاج تنحدر أصولهم من السودان وجنوب السودان واثيوبيا ومن اقوام من أواسط أفريقيا وطبعا هؤلاء ليسوا من السكان الأصليين مثل النوبيين ..وهذه التقارير ذكرتني بالأفلام الأسود والأبيض المصرية التي كانت تظهر الأسود دائما إم خادما أو بوابا في العمارة (البواب عثمان ) ويتكلم لغة عربية محلية مركركة  رغم أن الثورة المصرية حطمت هذا التقليد  العنصري واعادة الاعتبار لهذه الفئة من خلال عدة سياسات قانونية واعتبار مصر دولة أفريقية وعضو مؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية.. وتوجهات الزعيم جمال عبد الناصر  وهو( اسمر) نحو دعم حركات التحرير في الكثير من البلدان الأفريقية وبل دعمه لتصاهر بين المصريين والأفارقة بالإضافة أن قيادات الصف الأول كانوا أغلبهم من الصعيد ومنهم  الرئيس المصري الراحل أنور السادات كان (اسمرا) من الصعيد المصري  ..
إلا أن ظاهرة العبيد تبدو أن  لديها جذور مرتبطة بالعادات والتقاليد والثقافة والأمية والتي تكرسها المجتمعات في تلك المنطقة..ومع هذا نرى تجاهل الإعلام المصري وصناع الميديا لهذه الظاهرة وقليل من الأبحاث والرويات التي تحدثت عن هذه الظاهرة وبل القليل من الأفلام والمسلسلات المصرية التي تتطرقت لهذا الموضوع  بشكل مباشر.
ففي الكثير من مُحافظات صعيد مصر يوجد الكثير من العبيد ، تتملكهم بعض العائلات التي تملك المال أو النفوذ أو السلطة، ويحتفظون بعبيدهم داخل منازلهم، يخدمونهم دون مُقابل، أحيانًا يكون كل المُقابل الذي يحصل عليه العبد هو المأوى والمأكل، وكل جهده وعمره ووقته من حق سيده، ويؤدي العبد العديد من المهام فهو حارس للبيوت والمواشي والأراضي الزراعية الخاصة بالسيد، ومزارع وحمّال وخادم ويصنع المشروبات ويشترى الخضار من الأسواق، ويتحرك مع أفراد العائلة أينما ذهبوا، وفي الطُرقات والشوارع يواجهون الكثير من التعليقات الساخرة من الكبار والأطفال.
بعض هؤلاء العبيد هاجروا ومنهم من هاجر الى خارج مصر وتغيرت حياة كثير منهم
ومن هؤلاء العبيد من صاروا أغنياء وربما فاقوا سادتهم في الغنى أحيانا، إلا أنهم إذا عادوا لبلدهم لا يتجاوزون العرف الاجتماعي السائد ولا يخرجون عليه بل يعلنون تمسكهم بولائهم لسادتهم والعائلات التي ينتسبون إليها، بل ويعتبرونها مصدرا للفخر والمباهاة خاصة إذا ما كانت هذه العائلات تحسن إليهم وترعى أهليهم وتعاملهم معاملة طيبة.
إن الإنسان المضطهد والمقموع والفقير والتائه في دهاليز أنظمة الجهل والتبعية والفساد والاستبداد الاجتماعي والثقافي والقابع في خفاياها وتحت رحمتها هذا الإنسان هو الذي يحتاج أن تقوم الثورات لأجله.. لتحريره أولًا من الخوف والرعب والعار اللذي يحبطه ويقتل همته وإبداعه وطاقاته.. وحتى أمانيه وأحلامه.
ولابد من توفير الظروف القانونية والحياتية والثقافية لإعادة ذلك الإنسان البائس والمقهور إلى سكة السلامة والأمان والحياة الطبيعية، وعندما تتوفر له مثل تلك الظروف، حيث الحرية  السياسية المبنية على حرية اجتماعية وثقافية وتربوية سليمة..والتي تعطي لهذا الإنسان حق الحياة بكرامة في بلاده ووطنه..

تعليقات

الأكثر رواجا

الإستثمار في أثيوبيا (الاتجاه الصحيح للاستثمار )

تجارة المواشي في أثيوبيا

كيف تدير أمورك المالية؟

البطة السوداء

اثيوبيا التاريخ والحضارة

النجاح ..وأعداءه

استايل الغذاء العصري Teff (التيف)

الاستثمار الزراعي في إثيوبيا

المساجد في العاصمة أديس أبابا معالم وجمال

الشيخ الدكتور : “محمد رشاد ” من علماء أثيوبيا